لبنانيات >أخبار لبنانية
كان يرسم أحلامه على جدران النبطية.. فخطفته "شظية" على شرفته وداعا حسن صيداوي
كان يرسم أحلامه على جدران النبطية..  فخطفته "شظية" على شرفته وداعا حسن صيداوي ‎الخميس 19 06 2025 14:33
كان يرسم أحلامه على جدران النبطية..  فخطفته "شظية" على شرفته وداعا حسن صيداوي

جنوبيات

بعد منتصف ليلٍ جنوبيٍ حزين، دوّى صوت الموت من سماءٍ لم تعُد تعرف إلا لغة النار، حين استهدفت طائرات الاحتلال الإسرائيلي المسيّرة الشاب محمد خريس، ابن بلدة الخيام، الذي ارتقى شهيدًا على الفور.

في اللحظة نفسها، كان حسن صيداوي، العريس الجديد، يقف على شرفة منزله في بلدة كفرجوز – قضاء النبطية، يتأمل الجنوب الذي أحبّه، يتنفس أملًا، ويخطّ أحلامه الصغيرة على دفاتر العمر الكبير.
كان يظن أن الليلة مثل غيرها، يراقب الأفق المتعب وينسج أحلامًا بسيطة عن دهان يُعيد لجدران النبطية ألوانها، وعن مؤسسته التي أرادها فسحة حياة وسط هذا الرماد.

لكنّ شظية من جحيم، حوّلت لحظة التأمل إلى مأساة، واخترقت جسده الشاب، لتنهي فصلاً من قصة بالكاد بدأت، وتخطف من الجنوب حلمًا جديدًا كان قد بدأ يزهر.

حسن، الذي لم يمضِ وقتٌ طويل على زفافه، غادر قبل أن يكتمل الفرح.
زوجته، التي كانت تعدّ اللحظات بلهفة، تحوّلت إلى أرملة.
والدته، التي عاشت ألم رحيل والده، فقدت اليوم من كان لها السند والضوء والأمان.

ابن النبطية، المعروف بابتسامته الهادئة، وهمّته الصامتة، وحبّه العميق للناس والحياة، ودّعته مدينته هذه المرة بلونٍ لم يكن من ضمن ألوان طيفه… بلون الدم، الذي لطّخ جدران كفرجوز وقلوب أهل الجنوب.

كان يقول: "سنعيد تلوين النبطية بعد كل غارة"…
لكن لونه هذه المرة، كان الأوضح. كان دمه، وكان الوجع.

هذه ليست الحكاية الأولى، ولن تكون الأخيرة، في جنوبٍ تعوّد أن يُشيّع أبناءه تحت سماء مُثقلة بالقهر، وسط صمت العالم، وتواطؤ العجز، ووقاحة عدوّ لا يتردّد في ارتكاب الجرائم حتى في باحات البيوت.

حسن صيداوي لم يكن يحمل سلاحًا، بل حلمًا.
لم يكن يهدد أحدًا، بل كان يحاول أن يصنع الحياة.
لكنه رحل كما يرحل الكبار: واقفًا، حالِمًا، محبًّا… شهيدًا.

وداعًا يا حسن…
لم تكتمل ألوانك، لكن دمك صار اللون الأوضح في لوحة هذا الوطن.
لوحة لا ينقصها الحزن… ولا يغيب عنها الشهداء.

كان يرسم أحلامه على جدران النبطية..  فخطفته "شظية" على شرفته وداعا حسن صيداوي
المصدر : جوسلين الريس