![]() |
الاثنين 14 نيسان 2025 11:28 ص |
حلّ معضلة إيجارات الأماكن غير السكنية يكون بإنصاف المالكين لا بالتآمر على المستأجرين |
* جنوبيات
ليست المرة الأولى التي يُقرّ فيها قانون ويصبح نافذاً وعند حلول موعد نفاذه يتبيّن أنه يحتوي بين ثناياه بنوداً تعطيلية، أو تحجم السلطة التنفيذية عن إقرار المراسيم التنفيذية لكون نص القانون المُعتمد جائر أو غير مناسب لواقع الحال في لبنان أو لكونه لا يلبّي الغرض المرجو منه أو لتعارضه مع المصلحة العامة أو لكونه ينطوي على مظالم لفئات من المجتمع لصالح فئات أخرى، أو لأن المحاكم غير قادرة على الفصل في القضايا التي يثيرها خلال مهل معقولة. لقد أثار القانون فور إقراره في مجلس النواب بتاريخ 15/1/2023 موجة استنكار عارمة لدى مُستأجري هذا النوع من العقارات بموجب عقود إيجارات قديمة، والتي كانت تنتقل من مُستأجر إلى آخر بعد دفع المُستأجر لسلفه مبلغاً مرقوماً «يعرف بالخلو» هذا بالإضافة لرفع بدل الإيجار بنسبة معينة، الأمر الذي دفع بدولة الرئيس نجيب ميقاتي بصفته رئيسا لمجلس الوزراء إلى الإمتناع عن نشر القانون في الجريدة الرسميَّة بعد صدور قرار بعدم نشر القانون وإعادته لمجلس النواب لمزيد من الدرس، بعد أن آلت صلاحية رد القوانين ونشرها إلى مجلس الوزراء بحكم الدستور «نتيجة الشغور الرئاسي»، وعليه أعيد القانون إلى مجلس النواب بموجب المرسوم رقم 12835 تاريخ 12/1/2024، إلّا أنه طعن به، وقرر مجلس شورى الدولة قبول الطعن ووقف تنفيذ المرسوم الذي رُدَّ به القانون للمجلس النيابي، ما دفع بدولته لتوجيه كتاب إلى مجلس النواب يطلب فيه إيداعه النسخة الأصلية من القانون لنشره، إلّا أن رئاسة المجلس لم تجب الطلب إلّا بتاريخ 23/3/2025 أي بعد انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل الحكومة الحالية، وعليه نُشر القانون بتاريخ 5 نيسان 2025 وفق الأصول، وأصبح نافذاً منذ نشره.
هذا القانون بحالته الحالية لم ينصف المالكين ماليًّا وإن رحّبوا بإقراره وينطوي على افتئات كبير على المستأجرين الذين رأوا فيه جنوحا غير مبرر من السلطة لجانب المالكين، لعدم مراعاته لمصالح وحقوق كلي الطرفين المعنيين. وهذا الأمر مدعاة للعجب من دولة تقف مكتوفة اليدين متفرجة على ما كان يثيره قانون الإيجارات السابق ما بين المالك والمستأجر لعشرات السنوات من مشاكل، وفجأة تستفيق من سباتها لتعالج المسألة بشكل مأساوي متبنّية مقترحات المالكين، فتنقل الظلم من الطرف الأول لترميه على كاهل الطرف الآخر، ولم تتنبّه لما قد يثيره من أزمات قضائيَّة واقتصاديَّة واجتماعيَّة ومهنيَّة أكثر تعقيداً من تلك التي تعتقد أنها وفّرت حلاً لها. في ما قد يتأتّى بصدده من نزاعات، ولن تتمكن من البتّ بطلبات التخمين ودعاوى الفصل في أساس النزاع ضمن المهل المحددة في متنه، ويعزى ذلك للنسبة العالية في إيجارت الأماكن غير السكنة المؤجرة بموجب عقود قديمة لا يسري عليها مبدأ حريَّة التعاقد بين الطرفين. كل ذلك يوجب تدخّلاً تشريعيًّا سريعاً وقبل فوات الأوان.
حسنة هذا القانون تكمن في أنه ليس بحاجة لمراسيم تطبيقية أو تدخّل أية جهات غير قضائية فيما لو استثنينا الدور الملقى على عاتق وزارة المالية لجهة تخفيف الأعباء الضريبية على مالكي الأماكن التي يرعاها هذا القانون المتوجبة عليهم عن الإيجارات لمدة عشر سنوات، كما في تحرير عقود الإيجارات بعد فترة سنتين كحد أدنى، أربع سنوات كحد أقصى. بحيث أجاز للمالك إنهاء العقد من طرف واحد بعد سنتين بمجرد عدم دعوته المستأجر للتفاوض على المأجور وإن كان قد اشترط الإبقاء على ذات قيمة الإيجار؛ وفي هذه الحالة يكون المستأجر ملزماً بإخلاء المأجور بعد انتهاء المدة وإلّا اعتبر بقاؤه فيه من دون مسوغ شرعي، كما أجاز له دعوة المستأجر للتفاوض لتحديد بدل المثل، بحيث يرفع بدل الإيجار المعمول به عند إقرار القانون بنسبة 25% من بدل المثل (الذي يتم الاتفاق عليه بين الطرفين أو بقرار من المحكمة على ضوء تقرير خبير) بالنسبة للسنة الأولى لنفاذ القانون، و50% عن السنة الثانية، وإلى 100% عن السنتين الثالثة والرابعة. وبدلاً من تبنّي الفانون حلّاً يقوم على مبدا الإنصاف والعدالة، يوازن ما بين الطرفين المعنيين جاء كاستجابة للمالكين على حساب المُستأجرين، وهذا ما دفع الأخيرين إلى رفضه بصيغته الراهنة.ثمة مآخذ كثيرة ينطوي عليها هذا القانون نكتفي بالإشارة إلى أهمها:
ب- عدم تعويض المالك عن الإجحاف الذي لحق به خلال العقد الماضي والاستعاضة عنه ذلك بالمبالغة في تحديد النسبة المُعتمدة لاحتساب الزيادة على بدل الإيجار بحيث تم تبنّي نسبة 8% من بدل المثل في حين أن النسبة المعتمدة عالميا تتراوح ما بين 2 و3% منه.
د- عدم إعارة الاهتمام لبعض المهن الحرَّة التي يوجد ضوابط لمُمارستها بموجب قوانين خاصة ترعاها، وخير مثال على ذلك مهنة الصيدلة حيث يفترض القانون الخاص بمزاولة المهنة للترخيص بصيدلية احترام المسافات بين الصيدليات بحيث لا تقل عن 300، كما بألَّا تقلّ المساحة الداخلية عن 41 م2، هذا بالإضافة إلى توفّر مستلزمات أخرى كفيلة بالحفاظ على سلامة الأدوية من حيث الرطوبة والحرارة وبعيداً عن أشعة الشمس. بعض المؤسسات التجارية والصناعية والسياحية وغيرها، وذلك لتلافي أزمات شائكة ومتشابكة أكثر تعقيدا من عقود الإيجارات. المصدر :اللواء |