8 صفر 1447

الموافق

السبت 02-08-2025

علم و خبر 26

أخبار

علم و خبر 26

بأقلامهم

بأقلامهم

"في الشّعوذة وفنون السّحر"
"في الشّعوذة وفنون السّحر"
القاضي م جمال الحلو
2022-09-18

1,084

الشّعوذة، وبرأي المرجع اللّغوي الكبير عبد الله العلايلي : الشّعبذة ، كلمة راجت وماجت في سياقات الحديث عن السّحر وفنونه ، كما عن طرائق الإحتيال ومجونه .

وتتّفق الشّرائع السّماوية والمذاهب الفلسفية على تحريم الشّعبذة وفنون السّحر الأسود ؛ وترى أنّ هذه المهنة ، من الإمتهان ، لعلّها أن تكون من أقدم المهن التي أقدم عليها طبقة رجال الدين والعلوم الرّوحانية ، من أجل الإستحواذ على العامّة وإخضاعهم وابتزازهم . ولا يضارع هذه المهنة قدماً إلّا مهنة البِغاء المعروفة ب: ( البِغاء المقدّس ) لكن شتّان بين المهنتين والمعنيين ؛ اذ تظلّ مهنة البِغاء أقلَّ خطراً وأضعف أثراً على كيانات المجتمعات الإنسانية ، والحرّية الفردية ، من مهنة تتستّر بلبوس الدّين وعباءة الروح مُخضعة فريستها إلى ما يُسمى عند علماء الإجتماع والإنثروبولوجيين ب: ((العبودية غير المختارة )) .

- المشعبذ أو السّاحر ؛ مفردتان مرعبتان ، تتجافى عنهما آذاننا مذ كنّا صغاراً ، ولا نتخايل عند سماعهما إلّا القصور المسكونة بالأشباح أو البراري المأهولة بالجن والعفاريت والسّعالي والغيلان.

- لا أذكر هذه الكلمات لأتّخذ منها أيّ موقف اعتقادي . وإنّما أمرّ عليها كذكرٍ اعتياديّ من ذاكريّات الطفولة وارتجاعيات الكهولة .
- وحريّ بالتنويه هنا أنّ موقف الفقهاء في كلّ المذاهب الإسلامية ، كما وأنّ رأي اللّاهوتيين في كلِّ الطّوائف المسيحيّة يتفقان على أنّ عمل السّحر والشّعبذة ينافي تعاليم الدّين الحنيف ، والصّراط القويم المنيف.

- بل إنّ بعض المذاهب الإسلاميّة والكاثوليكيّة يفتيان بقتل السّاحر منعاً لضرره العام على الإجتماع ومصالح الأنسنة .
- وإنّي ، وإن كنت أختلف مع القائلين ب: الموت حداً وقصاصاً أو عقوبة رادعة تحت أيّ ظرف كان باستثناء جرائم القتل العمدي وعن سابق تصوّر وتصميم ، لكنّي هنا في سياق تقرير ما عليه الفقهاء واللّاهوتيين . وشواهد التّاريخ القروسطي ناطقة بمشاهد ومسارح تلك العقوبة التي أنزلت بالسّحرة على مدى قرون .

- وأختم من موقعي المعرفي ومحيطي العائلي بتبيان أنّ ما شاع على ألسنة الناس من حديث يُنسب إلى نبيّ الإسلام ، عليه وآله السّلام وهو : " تعلّموا السّحر ولا تفعلوا به " لم يثبت صدوره عنه وإن كان مشهوراً منذ زمنٍ باعدٍ .

- وأخيراً ومن منطلق المعرفة الدّينية والإجتماعية وقبل التّطرّق إلى النّاحية القانونيّة : ما الشّعبذة إلّا طرائق تمويه ، وحبائل اصطياد ، يقع في شباكها الأغرار وضعاف الإيمان . فضلاً عن أولئك الّذين لا همَّ لهم إلّا أن يظهروا بمظهر أصحاب الخوارق في استعادة غير واعية منهم لزمن ( البطولة) وتاريخ (الأسطورة) .

- أمّا في القانون ، فإنّه لم يرد نصٌّ في قانون العقوبات اللّبناني تحت "باب" أو "فصل" يتعلّق بالشّعوذة والسّحر والتّنجيم ، وذلك بشكلٍ واضحٍ ؛ كما ورد في بقيّة الجّرائم ، كالقتل ، والاغتصاب ، والجرائم الّتي تمسّ الشّعور الدّيني ، والإحتيال ، والسّرقة .. إلخ....
- إنّما ورد النّصّ تحت عنوان : المخالفات الّتي تمسّ الثّقة العامّة .
- وهذا النّصّ قد ورد في الفصل السّادس من " الباب" الثّاني عشر المتعلّق ( بالقباحات ) .
- نصّت المادة ٧٦٨ من قانون العقوبات اللبناني :
- يُعاقب بالتوقيف التّكديري وبالغرامة من عشرة آلاف إلى عشرين ألف ليرة لبنانية من يتعاطى "بقصد الربح " ، مناجاة الأرواح ، والتنويم المغناطيسي ، والتّنجيم ، وقراءة الكفّ ، وقراءة ورق اللّعب وكلّ ما له علاقة "بعلم الغيب" ، وتُصادر الألبسة والعِدد المستعملة .
- يُعاقب المكرّر بالحبس حتى ستة أشهر وبالغرامة حتى المئتي الف ليرة ، " ويُمكن إبعاده اذا كان أجنبيّاً " . 
- للأسف ، هناك نقص في التّشريع لهذه النّاحية ما لم ترتبط جريمة التّنجيم بجرائمَ أخرى .
- ولتبيان ذلك ، فإذا كان الفعل منحصراً بالتّنجيم فقط دون ارتباطه بجرائمَ أخرى ؛ هنا يُعتبر الفاعل قد ارتكب مخالفة تمسّ بالثّقة العامة .
- أمّا إذا ارتبط فعل التّنجيم والشّعوذة بجرائمَ أخرى ، فهناك مسمّى آخر للفعل . وللدلالة على ذلك ما جاء في المادة ٥٠٤ من قانون العقوبات : "يُعاقَب بالأشغال الشّاقّة المؤقّتة من جامع شخصاً غير زوجه (أي دون زواج) لا يستطيع المقاومة بسبب نقص جسديّ "عاهة"  أو نفسيّ أو "بسبب ما استُعمل نحوه من ضروب الخداع" ".

- وبتاريخ عملي في النّيابة العامّة ، أوقفت الكثيرَ من المشعوذين وأحلتهم على المحاكمة " بعد صدور قرار إتّهامي بحقّهم" بجرائم الإغتصاب نتيجة لأعمال الشّعوذة والسّحر و (ما يُسمّى بالكتيبة ) مثال على ذلك : شخص قام بخداع امرأة حملت منه اعتقاداً منها أنّ زوجها هو والد الجنين ، بينما تبيّن بالتحقيق أنّ المشعبذ او المشعوذ هو الوالد الحقيقي بعد أن أخضع الإمرأة للتنويم المغناطيسي . 
- هنا الفعل قد أصبح جناية من خلال فعل الشّعوذة وفنون السّحر ، أي أنّ الإغتصاب كان بسبب فعل الشعوذة والتّنويم المغناطيسي .
- وقِسْ على ذلك في جرائم الإحتيال عند تلفيق الأكذوبة بالتّنسيق مع شخص آخر مشعوذ وكذلك السّرقة والتّحريض عليها من خلال السيطرة والإيحاء إلى ما هنالك .

- كما أنّه يمكن أن يؤدّي التّنجيم وقراءة الغيب إلى جرائم الإعتداء على أمن الدولة الخارجي والدّاخلي والجرائم الّتي تمسّ الشّعور القومي والدّيني ، والحضّ على الفجور ، والفتنة والاقتتال الطائفي ، والتعرّض إلى الوضع الإقتصادي ؛ كلّ هذه الجرائم ممكن أن تحصل من خلال أفعال الشّعوذة وفنون السّحر . تحريضاً أكان أم اشتراكاً أم تدخّلاً أو فاعلاً معنويّاً من خلال استخدام البسطاء عن طريق تنويمهم مغناطيسيّاً أو عن طريق الإيحاء أو ما شابه . 
- ومن هذا المنطلق قد تصل عقوبة المنجّم إذا ما ارتبطت بجريمة أخرى كالتّحريض على القتل عن سابق تصوّر وتصميم إلى الإعدام .
- وأخيراً وليس آخراً ، لا يجرّم المشترع اللّبناني من يلجأ إلى العرّافين والمنجّمين أو السّحرة .
- لكن : إذا ثبت للقضاء أنّ الدّافع للّجوء إليهم هو بهدف ارتكاب جريمة معيّنة ، هنا يكون التّجريم قد وقع على الجرم المنشود والمطلوب ارتكابه من قِبل من يلجأ إلى الشّعوذةوالتّنجيم .

- صفوة القول : هناك تقصير واضحٌ في التّشريع اللّبناني وأطالب السّلطات المعنيّة إمّا عن طريق إحالة مشروع  أو إقتراح قانون الى المجلس النيابي بغية إقرار قانونٍ ؛ يؤدي إلى تشديد العقوبة بمقدار الغاية المراد تحقيقها من اللّجوء إلى الشّعوذة والتنجيم .ولا ضرر على الإطلاق بالوصول إلى عقوبة جنائية ..

جنوبيات
أخبار مماثلة
"شيرين أبو عاقلة... الشاهدة والشهيدة" كتاب هيثم زعيتر في الذكرى الأولى للاستشهادفاسكوomtوظيفة شاغرة في جمعبة المقاصد - صيداla salleقريبا "Favorite"