عربيات ودوليات >أخبار دولية
الحرب الإسرائيلية ضد إيران: من النووي إلى قمة نيويورك


جنوبيات
بين ظلّ الاشتباك الدائم وسيف المواجهة المباشرة، تدحرجت العلاقات الإيرانية – الإسرائيلية إلى لحظة الانفجار، كأنها كانت تنتظر فقط شرارة التوقيت. فالحرب التي خيضت بالواسطة لعقود، عبر ساحات وسطاء ووكلاء، انفجرت أخيراً بمواجهة مباشرة تخطّت الخطوط الحمراء، وطرحت أسئلة كبرى حول مستقبل الشرق الأوسط واستقرار الأوضاع السياسية الراهنة.
منذ انتصار الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، تحوّل العداء مع إسرائيل إلى أحد مرتكزات السياسة الإيرانية الإقليمية. فدعمت طهران حركات المقاومة في فلسطين ولبنان، وحوّلت نفوذها إلى أوراق ضغط على الأنظمة القائمة في المنطقة. في المقابل، عملت إسرائيل، بدعم غربي واسع، على مواجهة وتقويض النفوذ الإيراني في سوريا والعراق واليمن، وضرب بنيته اللوجستية والعسكرية، كلما سنحت الفرصة.
لكن ما كان يتم في الخفاء أو عبر الوسطاء والرسائل المحدودة، بات اليوم في العلن، وعلى نطاق واسع. الاغتيالات المتبادلة، الهجمات السيبرانية، الضربات بالطائرات المسيّرة، وصولاً إلى القصف المتبادل بين الطرفين،… كلها مؤشرات على أن «الخطوط الخلفية» لم تعد آمنة.
اندلعت شرارة التصعيد الأخير في لحظة بالغة الخطورة، وتربصها نتنياهو بخبث طوال جولات المفاوضات الأميركية الإيرانية حول البرنامج النووي الإيراني، والذي حاول رئيس الحكومة الإسرائيلية تفشيلها بشتى الطرق، وشن حملة تشكيك شعواء ضد صدقية النوايا الإيرانية.
واجه الرئيس الأميركي دونالد ترامب ضغوط «حليفه الكريه» نتنياهو، بضرورة إعطاء فرصة للمفاوضات مع طهران، لأن الإدارة الأميركية تفضل الحلول الديبلوماسية للقضايا الدولية العالقة، بدل الذهاب مباشرة إلى الخيار العسكري.
إنتظر نتنياهو ساعة فشل المفاوضات، وحاول إصابة أكثر من هدف واحد بتوقيت هجومه الصاعق على طهران، مستبقاً إنعقاد مؤتمر القمة الدولي من أجل «حل الدولتين» في ٢٦ الجاري في نيويورك، والذي كان من المقرر أن يحضره العديد من رؤساء الدول والحكومات، وفي مقدمتهم الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، ويصدر عنه قرار بالإعتراف بدولة فلسطين، وتأييد حل الدولتين. فكانت النتيجة أنه تم الإعلان عن تأجيل «قمة نيويورك» إلى الخريف المقبل، بسبب إندلاع الحرب بين تل أبيب وطهران.
ولكن إلى إين تتجه هذه الحرب، التي أثارت قلقاً دولياً واسعاً من تحولها إلى حرب إقليمية واسعة، وما هي تداعياتها على الوضع الهش في لبنان؟
في ظل غياب وساطة فاعلة، وتباعد الحسابات بين واشنطن وطهران، تبقى احتمالات التهدئة محدودة. لا إيران مستعدة للتراجع عن موقعها كلاعب إقليمي، ولا إسرائيل تقبل بوجود قوة مثل إيران على حدودها، بحجة تهدد أمنها الاستراتيجي. هذا التناقض في الأهداف قد يطيل أمد المواجهة، ويدخل المنطقة في حلقة مفرغة من التصعيد المدمّر.
وفي الوقت ذاته، تبدو الجبهات الداخلية للطرفين هشة. إيران ترزح تحت وطأة أزمة اقتصادية خانقة، وحركات احتجاج شعبية متكررة، بينما تعيش إسرائيل انقسامات سياسية عميقة، وتواجه أزمة ثقة داخلية بعد إخفاقات أمنية متكررة، إثر عملية «طوقان الأقصى» في ٧ تشرين الأول ٢٠٢٣.
أما لبنان، كعادته، يقف على هامش القرار ولكن يبقى في عين العاصفة ومركز النيران، مما يستدعي الكثير من الحكمة والحذر، بحيث أن أي تصعيد واسع في الصراع الإيراني ـ الإسرائيلي يجب أن لا يدفع «حزب االله» إلى الدخول في المواجهة، سواءٌ من باب دعم الحليف، أو لاعتبارات تتصل بحسابات الردع. لأن ذلك سيُعطي العدو الإسرائيلي الذريعة ليجدد عدوانه، ويفتح على الجنوب اللبناني جبهة مشتعلة، قد تمتد نيرانها إلى المرافق الحيوية في البلاد، في ظل أوضاع داخلية منهارة، وانعدام تام للمقومات الاقتصادية والصحية والخدماتية.
تبدو المنطقة اليوم وكأنها تمشي على خيط رفيع فوق فوهة بركان. الحرب بين إيران وإسرائيل، إن اشتعلت بالكامل، ستغيّر وجه الشرق الأوسط، وستفرض وقائع جديدة لا تُعرف حدودها، خاصة بعد حديث السفير الأميركي في تركيا باراك عن سقوط خطوط إتفاقية سايكس بيكو. أما إذا تم احتواء التصعيد في اللحظة الأخيرة، فسيبقى الجمر تحت الرماد، بانتظار دورة جديدة من العنف، وهبوب رياح عاصفة نارية جديدة.
في الحالتين، آن الأوان للعالم أن يدرك أن تجاهل الأزمات في المنطقة، أو الاكتفاء بإدارتها عن بُعد، وفي مقدمتها قضية فلسطين، لم يعد كافيًا. فحين تنفجر الألغام الإقليمية، لا يبقى أحد في مأمن من نيرانها.