مقالات مختارة >مقالات مختارة
مجزرة "ويتكوف" والفوضى الخلاقة


د. رانية اللوح
المجاعة في غزة لم تعد شبحا يمكن الخوف منه، بل أصبحت واقعاً ووحشا يقضم بأنيابه أحشاء الأطفال والمواطنين عموما، لقد طالت المجاعة كل بيت وخيمة وقتلت ما قتلت من الأطفال والرضع، الكبار يشعرون بالهزل ويتساقطون على الأرض في مشهد لم يتوقعه الغزيون للحظة، وغزة التي يعرف عن أهلها الجود والكرم.
لم تفلح كل نداءات المواطنين الجائعين الذين يبحثوا عن كسرة خبز وشربة ماء، ولم تفلح كذلك نداءات المنظمات الدولية العاجزة عجز المواطنين المكلومين في غزة، وضعيفة بضعف الأطفال الذين يحبوا على بطونهم صوب طوابير المياة المذلة، والتي كان أولى لهذه المنظمات الدولية التي تكتفي بإطلاق النداءات والبيانات أن تغلق "دكاكينها" وتغادر أماكن ومقار هي أكبر منها بكثير وهدفها الأساسي يحتاج إلى "فدائية" ليقوموا به.
التحالف الفاشي "الصهيوأمريكي" جاؤوا لنا بخطة توزيع المساعدات "خطة ويتكوف" اللاإنسانية، والتي تم فرضها بالقوة العسكرية، فيما تم استبعاد المنظمات الدولية والأونروا من توزيع المساعدات.
التحالف الفاشي من جهته لم يهدف من خلال الخطة المزعومة لتوفير الغذاء للشعب الفلسطيني على الإطلاق، على العكس تماماً، منذ اليوم الأول لتنفيذ العملية والشهداء بالعشرات ووصل الآن للمئات، الاحتلال يوميا يقوم بإطلاق النار بشكل عشوائي على المدنيين الذين يذهبوا لأخذ المساعدات، ورأينا كثيرا الشهداء وبجانبهم أكياس الدقيق في مشهد اختلط فيه الغذاء بالدماء.
لقد عمد الاحتلالين إلى نشر الفوضى وعدم تنظيم عملية توزيع المساعدات، مع العلم أن ما يتم توزيعه هو كميات قليلة جدا لا تكفي لمنطقة واحدة في قطاع غزة، فيما يسير المواطنون عشرات الكيلو مترات للوصول لمنطقة هي بالاساس منطقة ملتهبة بل ونقطة موت محتم لعشرات المتواجدين.
الراغبون والقائمون على إبادة المواطنين في غزة، نفذوا خطة لتوزيع المساعدات سيئة الصيت والسمعة لذر الرماد في العيون، وعلى أمل أن يكف العالم عن مطالبة الاحتلالين بتوفير الغذاء للمواطنين، وبكل الأحوال على مايبدو أن كل فعل يقوم به الاحتلال داخله أمني، بما فيها بؤرة التوزيع والقتل حيث أبلغ الكثير من المواطنين عن وجود مستعربين بين المواطنين.
لقد أحكم الاحتلال قبضته على المساعدات المغموسة بالدم والذل، وللسيطرة اكثر باتجاه تجويع المواطنين دعم ميلشيات تحت حمايته، استمرارا لسرقة المساعدات والاعتداء على المواطنين وكأنه تكملة لحلقة التجويع في قطاع غزة.
من المحزن جدا غياب السلطة الفلسطينية والفصائل الوطنية عن المشهد وترك الساحة للصوص وقطاع الطرق وميليشيات فاقمت من بشاعة المشهد والحالة.
في ظل هذا الواقع الأكثر مرارة حد اللاوصف، بات من الضروري على حركة حماس وقبل أن تفقد ورقة الضغط الوحيدة والتي بالأساس ليست بضاغط حقيقي على نتنياهو، بات مطلوباً بأسرع وقت الوصول لصفقة، يلتقط فيها من تبقى من المكلومين أنفاسهم، وليدفن ذوي الشهداء شهداءهم، وليكف تجار الحرب والدم عن أفعالهم المشينة، وإلا ستكون قيادة حماس متواطئة ضد الشعب الفلسطيني بأكمله.