مقالات مختارة >مقالات مختارة
الحجّ روحانيّة تلامس السّماء.. وروعةُ تنظيمٍ وخدمة ترقى إلى الكرامة
الحجّ روحانيّة تلامس السّماء.. وروعةُ تنظيمٍ وخدمة ترقى إلى الكرامة ‎الأحد 8 06 2025 18:36
الحجّ روحانيّة تلامس السّماء.. وروعةُ تنظيمٍ وخدمة ترقى إلى الكرامة

الشيخ ربيع رفيق قبيسي

أستاذ جامعيّ وباحث في علم اجتماع السّياسة، ومتخصّص في حوار الأديان

"وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ"

هم الحجّاج، بأثواب الأمان، يأتون من كل حدبٍ وصوب،  يدخلون أرض الطُّهر، خاشعةً خطاهم، دامعةً عيونهم، وكل نبضة في قلوبهم تهتف: لبّيك اللهم لبّيك  
دخلوا مكّة ليس كضيوف بل كأهل الدّار عادوا بعد طول انتظار، يحملون في صدورهم دعواتٍ بحجم السّماء، وشوقًا ما عاد يُشفى إلا بنظرةٍ إلى بيت الله، وسجدةٍ عند المقام، ومسيرٍ جميل بين الصّفا والمروة، ووقوفٍ في عرفات، وسيرٍ إلى مزدلفة، وختامها نفر من مِنى، حيث الأمنيات.

ما أعظم اللحظة حين تلتقي الأرض بالسّماء في عيون العاشقين! وما أبهى المشهد حين يكون الطّريق إلى الله مفروشًا بالتّكبيرات والرّجاء!

دخلوا مكّة المكرّمة والقلوب بين ضلوعهم ترتجف شوقًا، كأنّ الأرض تحت أقدامهم تهمس: مرحبًا بأهل النيّة الطّيّبة، وأصحاب الدّعاء الصّادق ..
دخلوا وفي أعينهم وطن من الحنين، وفي أفئدتهم رجاء بلقاءٍ لا يُشبهه لقاء.
دخلوا الأرض المقدّسة وارتفعت تكبيراتهم كأنّ الأرض تنفّست من شدّة الشّوق، وكأنّ الزّمان توقّف ليمنحهم لحظة خالدة لا تُشبه أيّ لحظة.

إنّها رحلة الاستجابة للنّداء الإلهي، في حضرة الدّعوة الإبراهيميّة، نحو البيت العتيق، رحلة العمر، التي تحمل معها منافع الدّنيا ونفحات الآخرة، في موسم عظيم هو موسم الخير الكثير والعودة الصّادقة إلى الله.
في هذه الأيام المباركة، تتقاطع القصص الإيمانيّة مع مشاهد الرّوحانية، وتُروى أحداث لا تتكرّر إلّا في ضيافة الرّحمن.

رغم حرارة الطّقس ولهيب الشّمس، فإنّ حرارة الاستقبال تُخفِّف وطأتها منذ اللحظة الأولى، في مشهدٍ يعكس كرم المملكة العربيّة السّعوديّة في رعاية وخدمة ضيوف بيت الله الحرام.

لقد تميّز موسم الحجّ هذا العام بتنظيمٍ فائق، يتطوّر عامًا بعد عام، مع خدماتٍ تُجسِّد عناية الدّولة وسهرها على راحة الحجّاج وأمنهم، من لحظة وصولهم إلى المطار حيث التّرحيب الدّافئ، والتّعليمات الواضحة، والوجوه البشوشة التي تبثّ الطّمأنينة.
مرورًا بسرعة الإنجاز، والانتظام في تسليم الحقائب، والفرق المتخصِّصة التي ترشد وتنقل الحجّاج بكل يسر، وصولاً إلى مساكنهم.
ناهيك عن المشاعر المقدّسة، التي برزت فيها جهود التّنظيم، ومعايير السّلامة، والخدمات الصحيّة، ممّا ساعد الحجّاج على آداء المناسك بطمأنينة وراحة بال.

هذه التّجربة النّاجحة ما هي إلّا ثمرة لتخطيطٍ دقيق وتعبٍ متواصل، يُجّسد حِرص خادم الحرمين الشريفين ووليّ عهده على أن تكون رحلة الحجّ تجربةً روحانيّةً فريدة، خاليةً من التّعب، ممتلئةً بالأمان والسّكينة.

شكرًا للمملكة العربيّة السّعوديّة، قيادةً وشعبًا، ولكلّ من ساهم في هذا الإنجاز، وكل عام وأنتم بخير.

المصدر : جنوبيات