لبنانيات >أخبار لبنانية
"إسرائيل" تكشف أسرار الانسحاب من جنوب لبنان...بعد 25 سنة!


أدهم مناصرة
ارتأت صحيفة "إسرائيل هيوم" العبرية أن تُحيي الذكرى 25 لانسحاب قوات الاحتلال من جنوب لبنان، عبر نشرها تقريراً مطوّلاً عما سمّتها اللحظات الدرامية الأخيرة للانسحاب، إلى جانب سرد يحاكي إعادة تمثيل ليلة هروب قوات لحد قبل ربع قرن!
وروت شهادات حصل عليها معد التقرير، إيتاي إليناي، والذي تصفه صحيفة "يسرائيل هيوم" بمراسلها الاستقصائي والمتخصص بالشؤون العسكرية والاستخباراتية، خطة الانسحاب الإسرائيلية التي حاولت التمويه والتضليل بخصوص توقيت وطريقة الانسحاب، لدرجة أن تل أبيب أخفت الخطة عن جيش لبنان الجنوبي وأخبرت قادته في الوقت الضائع، مما تسبب بحالة خوف وإرباك كبيرين لقادة لحد وعائلاتهم.
"شامل يعرف كل حجر في جنوب لبنان"!
والحال أن نائب قائد وحدة بالارتباط بالجيش الإسرائيلي مع لبنان في ذلك الحين، ويُدعى شامل ليفي، كان الراوي الرئيس لما جرى، حيث تحدث للمراسل الإسرائيلي إيتاي إليناي في مقابلة بالصوت والصورة على مدار ساعة كاملة، كاشفاً تفاصيل بشأن خطة الانسحاب "المتعجّل" وطريقة نقاشها، لجعل الانسحاب "آمناً" للقوات والمعدات العسكرية، لدرجة أن الدولة العبرية لم تحرص على تضليل "حزب الله" فقط، بل أيضاً عملاءها من جيش لحد!
وإلى جانب منصبه العسكري، وصفت "يسرائيل هيوم" شامل، بأنه منتمي إلى لواء جولاني و"يعرف كل حجر في جنوب لبنان".
مزايدة اليمين
وتحدث شامل عن انتكاسات الجيش الإسرائيلي وخساراته التي تصاعدت في السنتين الأخيرتين لاحتلال الجنوب، جراء كمائن "حزب الله"، مما أشعل حينها الاحتجاجات في الشارع الإسرائيلي بقيادة حركة "الأمهات الأربع"، بموازاة تصاعد المطالبات بالانسحاب من لبنان.
وهنا، تبرز رائحة المزايدة الداخلية الإسرائيلية، حينما ربطت صحيفة "يسرائيل هيوم" المقربة من الزعيم الليكودي بنيامين نتنياهو، بين خطوة الانسحاب ووعد انتخابي قطعه على نفسه رئيس حزب العمل إيهود باراك خلال تنافسه مع نتنياهو على رئاسة الوزراء العام 1999. وكأن الصحيفة العبرية تعمدت استعادة الماضي؛ لتروج لـ"براءة" نتنياهو واليمين الإسرائيلي مما يصفونها بخطوة الانسحاب وما تلاها من تنامٍ لقوة "حزب الله"، في محاولة لتكريس صورة اليمين الحاكم كـ"منقذ لإسرائيل".
خطة الإنسحاب السرية!
وبالعودة إلى سردية شامل الذي شغل منصب "نائب قائد وحدة الإرتباط الإسرائيلي مع لبنان" بفترة الانسحاب، فإن الهمس بشأن خطة الانسحاب بدأ في آذار/مارس 2000، عندما دخل عليه قائده بني غانتس في مقر الوحدة في مرجعيون، مرتدياً "زياً مكوياً"، ليخبره بضرورة لقائهما في مكان سري، وقال شامل ليفي إن الترتيبات لتنفيذ خطة الانسحاب المعروفة باسم "شفق الصباح" جرت بشكل شفهي وبلا أي وثائق، مضيفاً: "لقد عملنا بسرية تامة".
ونوهت الصحيفة العبرية بأن حكومة باراك روجت إعلامياً لشهر تموز/يوليو 2000، كموعد للانسحاب من جنوب لبنان، لكنها طبقته في موعد أبكر، في سياق التضليل والتمويه، فيما كشف المراسل إيتاي إليناي أن الحكومة الإسرائيلية كانت مهتمة حينها بأن يتم الانسحاب بموجب اتفاق مع لبنان والنظام السوري الذي كانت قواته موجودة في بلد الأرز، وأنه في حال لم يحصل اتفاق، فإن الانسحاب الإسرائيلي سيكون بشكل أحادي.
ووفق الضابط الإسرائيلي شامل، فإن الاستعدادات للانسحاب تمت "تحت ستار كثيف" من السرية، ليس لإخفائها عن حزب الله فحسب، بل أيضاً عن جنود إسرائيليين وجيش لحد. ومن أجل التضليل أيضاً، تظاهرت قيادة جيش الاحتلال بأنشطة لحماية مواقع عسكرية في القطاع الشرقي اللبناني، وفي الوقت نفسه كانوا يرسلون شاحنة مرة واحدة كل أسبوع، لنقل الوثائق والمعدات "المهمة" إلى إسرائيل بهدوء تام، وكل ذلك لإظهار أنهم "لا ينوون الانسحاب غداً"!
لوائح الجيش والشاباك.. بأسماء العملاء
وفي مطلع أيار 2000، تلقى شامل أمراً آخر من قائده غانتس، يطلب منه إعداد لوائ بأسماء كبار أعضاء جيش لبنان الجنوبي وعائلاتهم، الذين سيتم تهريبهم إلى إسرائيل كجزء من خطة الانسحاب من لبنان، بينما بدأ جهاز "الشاباك" بإعداد لوائح بأسماء العملاء اللبنانيين الذين عملوا معه، ويريد تهريبهم إلى تل أبيب أو دول محددة.
أنطوان لحد علم بالأمر.. قبل أيام
وتحول معد التقرير إيتاي ايتلان إلى تتبع مزاج قائد جيش لبنان الجنوبي أنطوان لحد خلال الأيام الأخيرة قبل الإنسحاب، حيث حاور لبنانياً يُدعى "كلود" انتقل للسكن في تل أبيب قبل سنوات من الانسحاب، وعمل في قطاع الفنادق، وكانت تربطه علاقة صداقة مع أنطوان لحد إلى جانب الترجمة له. ووفق "كلود"، فإن لحد جاء إلى تل أبيب قبل أيام قليلة من الانسحاب من جنوب لبنان، وكان مزاجه "جيداً" حينما التقاه صباحاً في فندق كراون بلازا، وبدا واثقاً من أن الانسحاب ليس وشيكاً، لكن لحد عاد من القدس إلى "كلود" بمزاج "سيء"، مما يؤشر إلى علمه بالأمر في اللحظات الأخيرة.
والواقع أن اسم "كلود" قد يكون رمزياً لشخصية حقيقية؛ لأن مراسل "يسرائيل هيوم" قال إنه استخدم أسماء "غير حقيقية" للبنانيين هاربين إلى إسرائيل؛ لحماية عائلاتهم التي ما زالت تسكن في لبنان الآن.
وعرض التقرير العبري صوراً للأيام والساعات والدقائق التي شهدت انسحاب إسرائيل الذي وصفه بـ"المتسرع والفوضوي والمؤلم من جنوب لبنان"، ونقل عن ضابطين من لحد أطلق عليهما اسمين وهميين "إلياس وريمون"، بأنهم عايشوا ضبابية كبيرة ورُعباً في اللحظات الأخيرة للانسحاب الذي اتسم بسباق إسرائيلي مع الزمن لإتمامه على ضوء اشتداد ضربات حزب الله، وكأن الأخير علم بالأمر قبل حين.
اللبناني الذي استفز شامل
وأخيراً، روى النائب السابق بوحدة الارتباط الإسرائيلية في لبنان شامل ليفي، حالة الرعب وسط الضجيج عند بوابة الحدود، على وقع تجمع عناصر جيش لحد وعائلاتهم، للهروب إلى إسرائيل، بينما كان شخص من "الشاباك" يسمح فقط بدخول الأشخاص الواردة أسماؤهم في لائحة لديه، وزعم شامل أنه صرخ في وجه عنصر الشاباك ومزق ورقة اللوائح، وفتح البوابة وسمح بدخول قوات لحد بعد تسليم سلاحهم عند البوابة.
ولم ينسَ الضابط الإسرائيلي المذكور أن يروي قصة شخص من جيش لبنان الجنوبي، وصفه بالمتعاون مع حزب الله، استفزه حينما نظر إليه من وراء السياج، ورفع أصبعه في وجهه، ثم قال له: "شامل، سأجلس في مكتب". وزعم شامل أنه رفع سلاحه وصوبه نحو ذلك الرجل اللبناني، لكن رئيس الأركان الأسبق غابي أشكنازي منعه من ذلك، وقال له: "توقف يا شامل، لم يعد هناك لبنان، انتهى الأمر".